الفجوة بين الوعي و الإدراك

 في الأسبوع الماضي تحدثنا عن موانع التغيير و تحدثنا عن الخوف و قصة الخوف في التجربة الانسانية و الآن في هذا الأسبوع أود التحدث عن الفجوة بين الوعي و الأدراك كمانع آخر من موانع التغيير. لكن ماذا أقصد بذلك؟

إن أحد أعمدة التغيير هي بلا شك هو الوعي لكن ما هو الوعي الذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة و بالتحديد تحت سياق تطوير الذات ؟ الوعي هو القدرة على التفكير و إدراك البيئة المحيطة و يشمل مجموعة واسعة من الظواهر العقلية مثل الأفكار و المشاعر و الوعي الذاتي، أما الإدراك فهو الوعي المبني على التجربة، أي الاعتماد على التجربة في توسعة الوعي أو تغييره و الفجوة ما بين الوعي و الأدراك (بشكل ابسط الفجوة بين الوعي و الواقع) هو الذي يؤخر التغيير. 

لكن كيف؟

إذا كان التغيير في الوعي هو تغيير في منظومة الأفكار و المشاعر و النظرة للذات و للمجتمع و للحياة فهذا يشكل جزء من معادلة التغيير و ليس كلها، تأتي التجربة لتصقل معادلة التغيير و توجد الإدراك الذي إما أن يؤكد أو ينفي أو يعدل الوعي ، بمعنى آخر، نحن نتبنى مجموعة من الافكار عن الحياة و المجتمع و لنا مشاعر معينة لكن عند مقاربة الوعي مع الواقع قد يؤكد الواقع أو ينفي هذا الكلام و أيضا إذا أردنا أن نتغير فلا يكفي أن  نغير أفكارنا و مشاعرنا لكن لا بد لنا من وجود فضاء مادي و تجربة توسع لنا الإدراك و توضح لنا الفجوة بين ما نريد و ما نحن عليه.

مثال سأطرحه على وضع الحدود و المواجهة مع  المتنمر، على مستوى الوعي أنت الآن عرفت أو كنت تعرف من قبل أن ما يمارسه اتجاهك شخص ما يعتبر تنمر و عليك أن تضع الحدود معه، إذا أبقيت الأمر على حاله و أنت واع لهذا التجاوز تكون تخطيت نصف معادلة التغيير، النصف الآخر يأتي عن طريق التجربة على أرض الواقع، أن تقوم بوضع حدودك و تواجه هذا المتنمر و تدرب جهازك العصبي على طريقة استجابة جديدة مرة بعد مرة إلى أن تصبح حدودك واضحة و هنا يأتي الإدراك و يصبح فهمك لكل الموضوع أقوى و أوضح و وعيك يزيد أضعاف اتجاه هذا الأمر.

و هكذا طبق هذا المثل على كل ما تحمله من أفكار و مشاعر في الوعي و حاول إغلاق الفجوة بين الوعي و التجربة ليزداد إدراكك و تكمل دائرة التغيير كاملة.

أصدقائي في الآونة الأخيرة رأينا الكثير من الكلام في الوعي منتشر و هذا أمر جيد لكن نكون موهومين إن اعتقدنا أن الوعي وحده سيحدث التغيير، نحن في عالم مادي و الإدراك جزء أساسي من التغيير و لا يأتي الإدراك إلا بالتجربة. أرجو أن تكونوا ممن يطبقون و لا يوسعون وعيهم فقط، و تذكر أن كل معلومة لا تطبقها من المحتمل أن تفقده لأنها لم تتفعل بعمق في نظامك من خلال التجربة.