ما الذي يمنعنا من التطور و التغيير؟

إذا سألك أحدهم فجأة مم تخاف، هل تستطيع الإجابة فورا؟ هل أنت على دراية بمخاوفك جميعها؟ يقال أن الخوف هو المحرك الأول للتجربة البشرية و كلما قرأت و تأملت أكثر في وظائف الدماغ و القلب أدركت كم يقوم عقلنا بتضليلنا في الكثير من الأحيان، فالعقل البشري في الدرجة الأولى مسؤول عن حمايتنا و كان يؤدي وظيفته على أكمل وجه عندما كان انسان الكهف يواجه خطر الحيوانات المفترسة فكانت غريزة البقاء هي الهدف الأول لهذا العقل أما الأن و بعد التطورفي الحضارة الانسانية و دور البشر في الأرضمن منا يتعرض لخطر يومي مستمر للحفاظ على حياته؟ و مع ذلك لا يزال عقلنا يعمل وظيفته و يعطينا الاستجابات الثلاثة (الهروب، المواجهة ، التجمد) عندما يقرر حمايتنا مما يعتقده خطر.

لكن مم يحمينا الآن؟

في ظل عدم تواجد خطر يهدد غريزة البقاء فإن عقلنا لا يزال يمارس حمايته لكنه يختار أن يحمينا من الخروج من منطقة الراحة فقد يختار الهوية الذاتية التي كوناها عن أنفسنا أو يختار ابعادنا عن أي تغيير محتمل موهما إيانا أن هذا يشكل خطرا حقيقيا، فلا يزال العقل يعمل و يحمي لكنه يحمينا من مخاطر غير حقيقة في الكثير من الأحيان و يبعدنا عن التطور و التغيير و بدل أن يكون حليفنا يصبح عدونا بموافقتنا و عدم وعينا.

و لكي أوضح لكم الأمر دعنا نأخذ مثال عن شخص نشأ في بيئة اجتماعية و كبر فيها بدون أن يتجرأ أن يتساءل عن المفاهيم التي ورثها من هذه البيئة و في كل مرة يسمع صوته الداخلي الذي يطلب منه اعادة التفكير فيما يتبنى من أفكار و مشاعر ينتهي به الأمر إلى أن يستجيب لمخاوف عقله الذي يحميه من أي تغيير محتمل ظنا منه أنه يشكل تهديد على هويته الذاتية و بالتالي سيبقى هذا الانسان اسير مخاوفه غير الحقيقية و بدل ان يكون عقله حليفه و نعمته في الحياة اصبح يعمل عكس احتماله الأفضل و هكذا.

و قس على ذلك أي محاولة للخروج من منطقة الراحة حيث يوهمنا العقل بأن أفضل خيار هو البقاء كما نحن و أن محاولات التغيير تعتبر خطر و بالتالي اذا استجبنا لها بدون وعي فنحن نؤخر تطورنا و نضيع على انفسنا فرصة التوسع و تجربة امور جديدة ترضي ارواحنا.

لكن كيف نستطيع الاستفادة من قدرتنا العقلية في تحسس المخاطر و جعلها تعمل لصالحنا؟

نحن نستطيع تهذيب هذه القدرة العقلية في استخدامها في عمل مخاطر محسوبة و عمل حوار فكري و مناقشة مخاوفنا مع عقلنا لاقناعه انه لا يوجد خطر حقيقي و ان نستفيد من قدرة العقل على حساب المخاطر و بنفس الوقت القيام بما يمليه علينا قلبنا و صوتنا الداخلي و بهذا نكون قد وصلنا لانسجام حقيقي بين القلب و العقل.و من هنا نستطيع ان نرتاح لفكرة اننا لسنا بحاجة الى تصديق كل فكرة مزعجة يحكيها لنا عقلنا لان وظيفته كما قلنا هي الحماية و اذا لم يجد شيء حقيقي لينبهنا له سيقوم باقتراح مخاوف غير حقيقية لذلك نستطيع تطويعه أكثر لخدمتنا و ان نختار فعلا متى نرد عليه و متى نوقفه و يصبح ايقاف التفكير المستمر و القلق الناتج عنه اسهل.

لكن فكر معي قليل، إذا كان عقلنا يحمينا في السابق من الموت الحقيقي و يكون البقاء على قيد الحياة هو نتيجة الاستجابة لمخاوف العقل. فتخيل ماذا سيحدث الآن عندما لا نستجيب لمخاوفنا و نوسع تجربتنا الأرضية و نخرج من مناطق الراحة التي أملاها علينا عقلنا؟ ما سيحدث عندها هو أننا سنصل للازدهار، عند استمرارنا بتحدي خوفنا من المخاطرة فنحن نوسع مهاراتنا و تجاربنا و تكون المكافئة هي الازدهار المستمر.

و الأن امسك ورقة و قلم و اكتب مخاوفك و ناقشها مع عقلك، و حاول تحديد تلك المخاوف التي تمنعك من التقدم للأمام و تخيل أسوأ سيناريو ممكن ، هل هو حقيقي؟ و اذا كان حقيقي هل يهدد بقائك؟ هل تستطيع تقبل الاحتمال الأسوأ؟ (فعندما نتقبل فكرة وجود الاحتمالات السيئة لا يعود عقلنا يستخدمها ضدنا لتخويفنا) . بعد كتابة كل المخاوف حدد أكثر ثلاثة مخاوف اذا تجاوزتها ستحدث فرق كبير في تجربتك الأرضية و اعمل على تجاوزها و تستطيع الاستعانة بعقلك لعمل مخاطر و خطوات محسوبة